الخميس، 18 فبراير 2021

الخبيئة مع الله (08)

 الخبيئة مع الله (08)



صدقة السر:

قال تعالى:



{إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۚ

وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}(البقرة:271)،



وجاء في الحديث الذي رواه معاوية بن حيدة وعبد الله بن مسعود وغيرهما

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:



[صدقة السر تطفئ غضب الرب]

(وهو في صحيح الجامع)،



وفي الحديث المشهور عن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل

إلا ظله: [ورجلٌ تصدَّقَ بصدقةٍ ، فأخفاها حتى لا تعلمَ شمالُهُ ما تُنْفِقْ يمينُهُ ،

ورجلٌ ذَكَرَ اللهَ خاليًا ففاضتْ عيناهُ]

(رواه البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم).



صلاة الليل والنوافل:

من أعظم أعمال السر، وأحبها إلى الله، وأنفعها لصاحبها: صلاة النافلة

وخصوصا صلاة الليل، وقد امتدح الله أصحابها وأثابهم عليها من جنس

عملهم حين قال سبحانه في سورة السجدة:



{تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ

يُنْفِقُونَ . فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً

بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(السجدة:16، 17).



في سجدة الليل ما يغني عن الذهب ... بعض من الدمع كم يشفي من التعب



وفي سنن الإمام الترمذي عن بلال بن رباح رضي الله عنه

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:



[عليكم بقيامِ الليلِ فإنه دأبُ الصالحينَ قبلَكم وإنَّ قيامَ الليلِ قُربةٌ إلى اللهِ

ومنهاةٌ عن الإثمِ وتكفيرٌ للسيئاتِ ومطردةٌ للداءِ عن الجسدِ]

(حسنه جماعة منهم الألباني).



فلا تنس أن تسكب أوجاعك وأحلامك في سجدة نقية في جوف الليل مع دمعة

خشية خفية، يمحو الله بها أوزارك، ويذهب آلامك، ويحقق آمالك، فإن جوف

الليل أسمع للنداء، وأقرب لتحقيق الرجاء.



الصيام:

وهو من أعظم عبادات السر؛ لذا عظم الله أجره وثقل ميزانه كما في

الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام :



[كلُّ عمَلِ ابنِ آدمَ له قال الله تعالى إلا الصيامَ فهو لِي وأنا أجزِي بِهِ]

متفق عليه



الذكر والدعاء:

وأحسنه وأنماه، وأفضله وأزكاه ما كان خفيا بين العبد ومولاه؛ قال تعالى

عن زكريا عليه السلام:



{ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا . إذا نادى ربه نداء خفيا}

(مريم:2ـ3)



، وقال سبحانه:

{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}

(الأعراف:55)



، وقال في نفس السورة في الأية 205:



{وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ

وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ}،



وامتدح الله أهل هذا الفعل فقال: {والمستغفرين بالأسحار} (آل عمران :

17) وفي السحر أكثر الناس نائمون ، وأهل الله قائمون لا يراهم أحد،

أو يسمعهم أحد إلا الله جل جلاله.. وفي حديث السبعة أهل الظل يوم القيامة:

[ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه].



إن الله يعلم القلب النقي، ويسمع الصوت الخفي؛ فإذا ما قلت يارب، فإما أن

يلبي لك النداء، أو يدفع عنك البلاء، أو يكتب لك أجرا في الخفاء.. فما أروع

أن تختلي بربك في خفية عن أعين الناس وأسماعهم وستجد والله ما يسرك.



ومن أعمال الخفاء والسر أيضا:

قضاء الحوائج للضعفاء والأرامل والأيتام والمساكين أو قضاء الديون

عن الغارمين والعاجزين، أو غير ذلك مما يطول ذكره.



كن من الأخفياء:

وخلاصة الكلام ومقصوده أن تكون من هؤلاء الذين بينهم وبين ربهم أسرار

وأسرار، فأخف عملك عن الناس ما استطعت فـ [إن الله يحب العبد التقي

الغني الخفي](رواه مسلم) الذي لا يحب الظهور. كن من الجنود المجهولين

الذين يعرفون في السماء ولا يعرفون في الأرض، كما قال ابن مسعود:

"كونوا ينابيع العلم، مصابيح الهدى، أحلاس البيوت، سرج الليل، جدد

القلوب، خلقان الثياب؛ تعرفون في السماء، وتخفون على أهل الأرض".



كن من هؤلاء الذين أحبوا ربهم فأحبهم، وعرفوه فعرفهم، ودعوه فأجابهم



[كم من أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لا يُؤْبَهُ له لو أَقْسَمَ على اللهِ لَأَبَرَّه]

(الترمذي عن أنس وقال حسن صحيح].


كن من الراكعين الساجدين في ظلام الليل، ومن الذين يسعون في صمت

وبعيدا عن الأضواء والضوضاء في حاجة الضعفاء والمساكين والأرامل

والأيتام والمكروبين، من الناصحين المخلصين. فما أحوج أمتنا إلى هذا

الصنف من الناس؛ فبهم يرزقون وبهم ينصرون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق