الثلاثاء، 12 أكتوبر 2021

الولادة الخامسة

 

الولادة الخامسة


إنَّ لحظة الحقيقة التي ينتظرها جميع الأحياء هي لحظة الموت
(ولادة الروح من الجسد)، أما لحظة الحقيقة التي ينتظرها الأموات وقد
صاروا في عالم البرزخ فهي لحظة مدهشة مذهلة، هي لحظة
(عودة الروح إلى الجسد) وتسللها بانسيابية في كل خلية من خلاياه، بعد
أن أعاده الخلاق العظيم إلى هيئته التي كان عليها عند الفراق.

نحن الأحياء لا نفكر بهذه الحقيقة الآن ولا نستشعرها لأنها الحدث الأبعد،
ونحن لم ندرك الحدث الأقرب بعد، لكن جميع الأموات في البرزخ يرتقبون
ذلك الحدث لأنه بالنسبة لهم هو الحدث الأقرب.

هذه الواقعة العجيبة قد وقعت من قبلُ للجسد عند نفخة الملك يوم كان
جنينا، لكنَّ الفرق هذه المرة هو أنه سيكون في حالة من الوعي والإدراك
تجعله يشعر بما يجري له.

هو ينظر الآن إلى ذلك الجسد الذي تقمَّصه وألِفه مدَّةَ إقامته فوق الأرض،
يتأمل فيه، وربما هو يشتاق إليه، وربما يحبه لأنه كان نعم العون على
بلوغ الرضوان، ومسابقة الأقران، وربما يبغضه وينفر منه لأنه كان يسير
في سُبل الهوى والشيطان!!

بعد الالتحام الجديد، وأخذ الحواس مواضعها، ها هي الحياة تنبعث
في الجسد من جديد؛ فتنفجر أرحامُ الأجداث لتقذفَ بالمواليد الجدد من
بطن الأم التي تحلل وذاب الجسد في أحشائها، وكانت ذرَّاته قد اختلطت
بذرَّاتها، فتعود تلك الذرات الملتئمة بالانفصال عن الأم ثم الاجتماع
من جديد على الهيئة الأولى، حتى يسوَّى منه البنان، ويتهيأ للقيام
والعرض على الديَّان.

{ مِنۡهَا خَلَقۡنَـٰكُمۡ وَفِیهَا نُعِیدُكُمۡ وَمِنۡهَا نُخۡرِجُكُمۡ تَارَةً أُخۡرَىٰ }

هيئة المواليد عند الخروج إلى الحشر كهيئتهم يوم الخروج الأول
إلى الدنيا، حفاةً عراةً غُرلا، ليستذكروا نقطة الانطلاقة الأولى.

تمتاز هذه الولادة عن جميع الولادات السابقة بأنها ولادة جماعية،
ففي ساعة واحدة وزمن واحد يقوم جميع من مات من الخلائق
الذين فصلت بينهم القرون المتطاولة!!
{ وَبَرَزُوا۟ لِلَّهِ جَمِیعا }

يجمعهم الزمان والمكان وتفرقهم الأعمال والمنازل.
فاللهم سلم سلم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق