الأحد، 17 يونيو 2018

دلائل معرفة الله


أوصيك وَنَفْسِي وَمن سمع كَلَامي بتقوى الله الَّذِي خلق الْعباد وَإِلَيْهِ الْمعَاد
وَبِه السداد والرشاد فاتقه يَا أخي تقوى من قد عرف قرب الله مِنْهُ
وَقدرته عَلَيْهِ وآمن بِهِ إِيمَان من قد اقر لَهُ بالوحدانية والفردانية والأزلية
لما ظهر من مُشَاهدَة ملكوته وشواهد سُلْطَانه وَكَثْرَة الدَّلَائِل عَلَيْهِ
والآيات الَّتِي تدل على ربوبيته ونفاذ مَشِيئَته وإحكام صَنعته وَبَيَان قدرته
على جَمِيع خلقه وَحسن تَدْبيره أَلا لَهُ الْخلق والامر تبَارك الله رب الْعَالمين .

أعلم يَا أخي أَن إشراك المخلوقين فِي الْعَمَل أَن يتزين لَهُم العَبْد فِي مَوَاطِن
الامتحان فيكذب فِي عمله أَو يرائي ليكرم ويعظم لجميل قَوْله
ومحاسن مَا يظْهر من عمله وَهُوَ يعرف ذَلِك من نَفسه أَو يجهله مِنْهَا
وَلَا يسلم يَا أخي من شَره إِلَّا من هرب من مواطنه وَعمل
وَهُوَ لَا يحب أَن يطلع لَهُ مَخْلُوق على عمل وَإِن اطلع لَهُ مَخْلُوق
على عمل وَهُوَ لَا يحب اطِّلَاعه فَمن صدقه أَلا يحب أَن يحمده ذَلِك الْمَخْلُوق
على مَا اطلع عَلَيْهِ من عمله وَإِن حَمده أحد وَهُوَ لَا يحب حَمده
فَلَا يسر بِحَمْدِهِ لَهُ على عمله فَإِن سره فَلَا يسرن لِمَعْنى الدُّنْيَا
بِسَبَب من الْأَسْبَاب .

أصدق يَا أخي فِي قَوْلك وفعلك صدق من قد عرف أَن الله مطلع على دخيلة
أمره وسره وعلانيته وَمَا طوى عَلَيْهِ ضَمِيره وتوكل عَلَيْهِ يَا أخي
توكل من قد وثق بوعده وَاطْمَأَنَّ إِلَى ضَمَانه وثِقَة مِنْهُ بوفائه
ورضا مِنْهُ بِقَضَائِهِ واستسلاما مِنْهُ لأَمره وإيمانا بِقَدرِهِ
ويقينا صَادِقا مِنْهُ بجنته وناره .

خفه يَا أخي خوف من قد عرف سطوته وَشدَّة نقمته وأليم عَذَابه ومثلته
وآثاره وَوَقَائعه لمن خَالف أمره وَعَصَاهُ وتعرف يَا أخي انه لَا تمسك لأحد
خذله وَلَا صَنِيعَة على أحد وَفقه وسدده وحاطه وَحفظه
وَأَنه لَا صَبر لأحد على عُقُوبَته ونكاله وَتغَير نعمه
وارجه يَا أخي رَجَاء من قد صدق بوعده وعاين ثَوَابه .

اشكره يَا أخي شكر من قد قبل مِنْهُ محاسنه واصلح عمله وحباه من مزِيد
أياديه وأناله من مزِيد كراماته مَا لم يستأهله بِعَمَلِهِ واستحيه يَا أخي
حَيَاء من قد تعرف كَثْرَة تفضله وجزيل مواهبه وَعرف من نَفسه التَّقْصِير
فِي شكره وَقلة الْوَفَاء مِنْهُ بعهده وَالْعجز عَن الْقيام بأَدَاء مَا لزمَه من حَقه
ثمَّ لَا يتعرف من خالقه إِلَّا جميل ستره وعظيم الْعَافِيَة وتتابع النعم
ودوام الْإِحْسَان إِلَيْهِ وعظيم الْحلم والصفح عَنهُ .

فوائد من كتاب آداب النفوس للحارث المحاسبي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق