الاثنين، 2 ديسمبر 2019

سلسلة أعمال القلوب (39)

سلسلة أعمال القلوب (39)


ثالثًا: منزلة الإخلاص من الدين وأهميته :

وهذا يتبين من وجوه مختلفة:


أولًا: أن الإخلاص هو روح العمل:

فعمل لا إخلاص فيه كجسد لا روح فيه، فهو بمنزلة الروح من الجسد،

يقول ابن القيم رحمه الله:'ومِلاَك ذلك كله: الإخلاص والصدق، فلا يتعب

الصادق المخلص، فقد أُقيم على الصراط المستقيم فيُسَار به وهو راقد،

ولا يتعب من حُرم الصدق والإخلاص فقد قُطعت عليه الطريق

واستهوته الشياطين في الأرض حيران، فإن شاء فليعمل، وإن شاء

فليترك، فلا يزيده عمله من الله إلا بُعداً، وبالجملة: فما كان لله

وبالله فهو من جند النفس المطمئنة' [الروح ص227] .



وما أجمل وما أحلى عبارة ابن الجوزي رحمه الله، حيث قال في كتاب

له لطيف اسمه:'اللطف في الوعظ':' الإخلاص مِسْك مَصُون في مَسكِ

القلب – أي: أنه محفوظ في هذا الوعاء الذي هو القلب – ينُبئ ريحه

على حامله، العمل صورة والإخلاص روح، إذا لم تخلص فلا تتعب،

لو قطعت سائر المنازل – في الحج – لم تكن حاجاً إلا ببلوغ الموقف' .



وهو بهذا يريد أن يقول: إن منزلة الإخلاص من الأعمال كمنزلة

الوقوف بعرفة من أعمال الحج، ولو أن الإنسان ذهب إلى منى،

ومزدلفة، وطاف بالبيت الحرام، وما إلى ذلك من الأعمال التي يعملها

الحجاج، ولم يقف بعرفة، هل يكون ذلك الإنسان حاجاً؟ الجواب: لا،

يقول : لو قَطَعتَ سائر المنازل لم تكن حاجاً إلا ببلوغ الموقف



. وصدق رحمه الله، وتأمل قوله قبله:'الإخلاص مِسْك مَصُون في مَسك

القلب يُنبيء ريحهُ على حامله' فالإخلاص لا يحتاج منك إلى إظهار،

ولا يحتاج منك إلى إعلام للناس أنك مخلص، وإنما يظهر ذلك

في حركات الإنسان، وسكناته، وتظهر آثاره على العبد . وأما الذي

يتصنع للناس، ويسعى لإعلامهم بعمله، وصلاح قلبه، وما إلى ذلك،

فالواقع أنه يُحطم الإخلاص في قلبه، ولا يزيده ذلك إلا شَيناً في قلوب

الخلق، والله المستعان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق