الاثنين، 6 سبتمبر 2021

يا أصحاب الجاه أعينوا عباد الله

 

يا أصحاب الجاه أعينوا عباد الله

لقد منح الله عز وجل بعض عباده مناصب يستطيعون من خلالها نفع
الناس، ومنح آخرين قبولا حسنا ومحبة في قلوب الناس، فإذا شفعوا
قبلت شفاعتهم، وإذا تكلموا سمع كلامهم، وإذا سعوا في قضاء حاجة
لغيرهم جعل الله قضاءها على أيديهم لما لهم من مناصب أو قبول
وضعه الله لهم في قلوب عباده.

وهذه نعمة عظيمة أن يمنحك الله قبولا في قلوب عباده لمنصبك
أو لحب الخلق لك.

وهذه المنح الإلهية شأنها كشأن كل نعمة ينعمها الله على عباده تحتاج
إلى شكر المنعم سبحانه والاعتراف له بالنعمة ثم استخدام النعمة فيما
يرضى المنعم عز وجل، وألا يمُنَّ على عباد الله بما فعل.

فأما شكر الله عز وجل فيكون بحمده سبحانه على هذه النعمة وعلى أن
الله منحه قبولًا في قلوب عباده لجاهه أو لمنصبه، فكثير من خلق الله
عز وجل لم يمنحهم الله عز وجل هذا القبول في قلوب خلقه.

وأما الاعتراف لله بالنعمة فهو أن تعتقد بقلبك أن هذه النعمة لم تتوصل
إليها بذكاء أو بحسن كلام أو بفعل منك، وإنما وضع الله لك القبول
في قلوب عباده ولولا ذلك لمقتك الناس ولكرهوك، فالمنعم هو الله وما
أنت إلا وسيلة ظهر فيها أثر نعمة الله، فعليك أن تشكر ربك
على ما وهبك وتثنى عليه بما منحك.

وأما استخدام النعمة فيما يُرضى الله عز وجل فيكون بمساعدة أصحاب
الحاجات، والتوسل لقضاء حاجاتهم، وإيصال أصحاب الحقوق
إلى حقوقهم، ورفع الظلم عن المظلومين منهم.

ثم يأتي بعد ذلك ألا تَمُنَّ عليهم بما فعلت، وألا تنتظر منهم شكرا أو ثناء
على ما أسديته لهم من صنيع، وألا تحزن إذا قصًّروا في حقك، أو قابلوك
في طريق وكأنهم لم يعرفوك، أو دخلت في مكان فلم يوسعوا لك، أو لم
يقوموا لأجلك، فأنت لم تفعل ما فعلت لأجل أن يفعلوا ذلك معك أو بك، فإذا
كنت قد فعلت لأجل ذلك فبئس الفعل هو، وبئس الفاعل أنت، وهل منَّ الله
عليك بما آتاك من منصب أو جاه، وهل منحك الله ومنع غيرك ليصبحوا
عبيدًا لك، أو لتستذلهم بما آتاك الله من نعمة لم تحُزها باستحقاق منك،
ولا بفضل لك، وإنما هو محض فضل الله، وإنعامه الممنوح لك لا غير.

ألا فليعلم أصحاب الجاه والمنصب أن الله قد منحهم ما منحهم ليظهر فضل
الله على عباده فيهم، ولتُقضَى مصالح العباد على أيديهم، ويوم أن يفعلوا
ذلك يُقرُّ الله نعمه عندهم، ويزيدهم قبولا في قلوب عباده، فإذا قصًّروا
أو تبرَّموا بحاجات الناس أو منُّوا عليهم بما منحه الله لهم منحة خالصة
وتفضلا منه سبحانه عليهم حوَّل الله عز وجل نعمه عنهم، ووضعها
في أيدى قوم يقومون فيها بما أراد الله على الوجه الذى أراد شاكرين له
سبحانه كما يحب.

لقد كان سلفنا الصالح يسعون في قضاء حوائج الناس
ولا ينتظرون منهم جزاء ولا شكورًا.

يذكرون أنهكَانَ لأبي حنيفة جار بالكوفة إسكاف، يعمل نهاره أجمع، حَتَّى
إذا جنه الليل رجع إلى منزله، وقد حمل لحمًا فطبخه، أَوْ سمكة فيشويها،
ثُمَّ لا يزال يشرب، حَتَّى إِذَا دب الشراب فيه غنى بصوت، وَهُوَ يَقُولُ:

أضاعوني وأي فتى أضاعوا ♦♦♦ ليوم كريهة وسداد ثغر

فلا يزال يشرب ويردد هَذَا البيت حَتَّى يأخذه النوم، وَكَانَ أَبُو حنيفة يسمع
جلبته كل يوم، وَكَانَ أَبُو حنيفة يصلي الليل كله، ففقد أَبُو حنيفة صوته،
فسأل عَنْهُ، فَقِيلَ: أخذه العسس منذ ليال، وَهُوَ محبوس، فصلى أَبُو حنيفة
صلاة الفجر من غد، وركب بغلته، واستأذن عَلَى الأمير، قَالَ الأمير:
ائذنوا لَهُ، وأقبلوا بِهِ راكبًا، ولا تدعوه ينزل حَتَّى يطأ البساط، ففعل، فلم
يزل الأمير يوسع لَهُ من مجلسه، وَقَالَ: ما حاجتك؟ قَالَ: لي جار إسكاف
أخذه العسس منذ ليال، يأمر الأمير بتخليته، فَقَالَ: نعم،وكل من أخذ
في تِلْكَ الليلة إلى يومنا هَذَا، فأمر بتخليتهم أجمعين، فركب أَبُو حنيفة
والإسكاف يمشي وراءه، فَلَمَّا نزل أَبُو حنيفة مضى إِلَيْهِ، فَقَالَ: يا فتى،
أضعناك؟ فَقَالَ: لا، بل حفظت ورعيت، جزاك الله خيرًا عن حرمة الجوار
ورعاية الحق. وتاب الرجل ولم يعد إلى ما كان.

فهذا هو الإمام أبو حنيفة يسعى في قضاء حاجة جاره، وقد كان جاره
يؤذيه بصوته الذى كان يمنع الإمام من المذاكرة أو يشوِّش عليه في قيام
الليل، لكنَّ ذلك كله لم يكن سببًا لمنع أبى حنيفة من قضاء حاجته،
ومعونته.

فعلى أصحاب الجاه أن يسعوا في قضاء الحاجات لكل صاحب حاجة
ولو لم يطلب منهم قضاءها، وألا يمنُّوا على أحدٍ بما فعلوا،
وألا ينتظروا جزاء صنيعهم إلا من الله وحده، ليبقى لهم جاههم،
وتبقى لهم مناصبهم، ويرضى الله عنهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق