الثلاثاء، 6 يونيو 2017

لحظات تأمل 11


تتحدث كتب النفس وبرامج الاستشارات التلفزيونية والنصائح الطبية

ونحوها عن مشكلة يسمونها مشكلة السهر، ويتكلمون عن أضرارها،

ويطرحون لها الحلول وأساليب العلاج.

لكن ثمة نوع آخر من السهر لا أرى له ذكراً بينهم، إنه سهر من نوع خاص،

سهر يذكره القرآن ويتحدث عنه كثيرا،

وكلما مررت بتلك الآيات التي تتحدث عن هذا السهر

شعرت بالخجل من نفسي.

في أوائل سورة الذاريات لما ذكر الله أهوال يوم القيامة،

توقف السياق القرأني، ثم بدأت الآيات تلوِّح بذكر فريقٍ حصد السعادة

الأبدية، واستطاع الوصول إلى جناتٍ وعيون،

ولكن ما السبب الذي أوصلهم إلى تلك السعادة بين مجاهل تلك الأهوال؟

تأمل كيف تشرح الآيات سبب وصول ذلك الفريق إلى الجنات والعيون:

{ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ

إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ }

أرأيت، هل استحوذ عليك المشهد ؟ لا عليك، شعورٌ طبيعي جداً،

تأمل كيف كان سبب سعادتهم أن نومهم بالليل قليل !

إذن أين يذهب بقية ليلهم ؟

إنه يذهب بالسهر مع الله جل وعلا، ذلك السهر المجهول.

ذكرٌ لله، وتضرعٌ وابتهالٌ بين يديه، وتعظيمٌ له سبحانه،

وافتقارٌ أمام غناه المطلق سبحانه، وركوعٌ وسجودٌ وقنوت،

هذا غالب الليل، أما القليل منه فيذهب للنوم،

وفي سورة الزمر لما ذكر الله عدداً من الآيات الكونية عرض هذا السهر

الإيماني بصيغة أخرى، لكن فيها من التشريف ما تتضعضع له النفوس،

لقد جعل الله هذا السهر الإيماني أحد معايير العلم!

نعم، قيام الليل أحد معايير العلم بنص القرآن،

وهذا أمر لا تستطيع بتاتاً أن تستوعبه العقول المادية والمستغربة

لأنها لم تتزكّ بعد بشكل تام وتتخلص من رواسب الجاهلية الغربية.

لاحظ كيف دلت خاتمة الآية على التشريف العلمي لهذا السهر الإيماني،

يقول تعالى:

{ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ

قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ }

فلاحظ في هذه الخاتمة كيف جعل الله عدم القنوت آناء الليل مؤشراً

على جهل صاحبه، وجعل القنوت مؤشراً على علم القانت.

للتأملات بقية ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق