الخميس، 1 يونيو 2017

ترك الخيانة فجاءه الخير في أوانه


قال القاضي أبو بكر محمد بن عبد الباقي
 بن محمد البزار الأنصاري :
كنت مجاورًا بمكة حرسها الله تعالى، فأصابني يومًا من الأيام جوع شديد
لم أجد شيئًا أدفع به عني الجوع، فوجدت كيسًا من أبريسم مشدودًا
بشرابة من أبريسم أيضًا، فأخذته وجئت به إلى بيتي، فحللته
 فوجدت فيه عقدًا من لؤلؤ لم أر مثله .
 
فخرجت فإذا بشيخ ينادي عليه، ومعه خرقة فيها خمس مائة دينار
 وهو يقول :
 
هذا لمن يرد علينا الكيس الذي فيه اللؤلؤ،
 
فقلت : أنا محتاج، وأنا جائع، فأخذ هذا الذهب فانتفع به، وأرد عليه
الكيس،
 
 فقلت له : تعال إليَّ، فأخذته وجئت به إلى بيتي، فأعطاني علامة الكيس
وعلامة الشرّابة وعلامة اللؤلؤ وعدده والخيط الذي هو مشدود به،
فأخرجته ودفعته إليه، فسلم إلي خمس مائة دينار، فما أخذتها
 
 وقلت : يجب علي أن أعيده إليك، ولا آخذ له جزاءًا
 
فقال لي : لا بد أن تأخذ
 
وألح علي كثيرًا، فلم أقبل ذلك منه فتركني ومضى، وأما ما كان مني،
فإني خرجت من مكة وركبت البحر، فانكسر المركب وغرق الناس،
وهلكت أموالهم، وسلمت أنا على قطعة من المركب، فبقيت مدة في البحر
لا أدري أين أذهب ؟ فوصلت إلى جزيرة فيها قوم، فقعدت في بعض
المساجد، فسمعوني أقرأ، فلم يبق في تلك الجزيرة أحد إلا جاء إليَّ
 
 وقال : علِّمني القرآن فحصل لي من أولئك القوم شيء كثير من المال،
 ثم إني رأيت في ذلك المسجد أوراقًا من مصحف، فأخذتها أقرأ فيها،
فقالوا لي : تحسن تكتب ؟ فقلت : نعم، فقالوا : علمنا الخط. فجاؤوا
بأولادهم من الصبيان والشباب، فكنت أعلمهم، فحصل لي أيضًا من ذلك
شيء كثير، فقالوا لي بعد ذلك : عندنا صبية يتيمة ولها شيء من الدنيا
تريد أن تتزوج بها فامتنعت، فقالوا : لا بد وألزموني، فأجبتهم إلى ذلك .
 
فلما زفُّوها إليَّ مددت عيني أنظر إليها، فوجدت ذلك العقد بعينه معلقًا
في عنقها فما كان لي حينئذ شغل إلا النظر إليه، فقالوا : يا شيخ كسرت
قلب هذه اليتيمة من نظرك إلى هذا العقد، ولم تنظر إليها، فقصصت عليهم
 قصة العقد، فصاحوا وصرخوا بالتهليل والتكبير حتى بلغ إلى جميع أهل
الجزيرة، فقلت : ما بكم ؟ فقالوا : ذلك الشيخ الذي أخذ منك العقد أبو هذه
 الصبية، وكان يقول : ما وجدت في الدنيا مسلمًا غير هذا الذي رد علي
هذا العقد وكان يدعو ويقول : اللهم اجمع بيني وبينه حتى أزوجه بابنتي،
والآن قد حصلت فبقيت معها مدة ورزقت منها بولدين، ثم إنها ماتت
فورثت العقد أنا وولداي، ثم مات الولدان، فحصل العقد لي، فبعته بمائة
ألف دينار، وهذا المال الذي ترونه معي من بقايا ذلك المال
 (انظر أنيس الجليس الجزء الأول).
 
من كتاب من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه

- للكاتب إبراهيم بن عبدالله الحازمي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق