الثلاثاء، 31 أغسطس 2021

كل من عليها فان

 كل من عليها فان

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

لقد كتب جلّ وعلا الموت والفناء على كلّ المخلوقات من أهل الأرض
والسماوات، فلا يبقى إلا هو جلّت قدرته وتعالت أسماؤه وصفاته، فهو
الحي الذي لا يموت سبحانه وتعالى، وهذا يدلّ دلالة ظاهرة جليّة على
عظيم وجلال وقدرة الخالق سبحانه وتعالى، ودليل ما تقرر ذكره - وهو
موت وفناء جميع وسائر المخلوقات - قوله تعالى:
{ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ }
[الرحمن: 26، 27].

يخبر الله جل وعلا في هذه الآية المباركة من كتابه المجيد، بأن جميع
أهل الأرض، من إنس وجن، ودواب، وسائر المخلوقات من أهل الأرض
والسماوات، سيذهبون وسيموتون، وسيفنون أجمعون، فلا يبقى أحد
منهم أبداً مهما كانت قوته ومكانته، وقدره ومنزلته، فلا يبقى أحد
سوى الله الكريم تبارك وتعالى.

ومعنى قول الله تعالى:
{ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ }
؛ أي: كلّ من يعيش على ظهر هذه الأرض من جنّ وإنس، سيموت
ويفنى ويهلك، ويزول.

قال الطبري:
«كلّ من على ظهر الأرض من جنّ وإنس فإنه هالك».

ومعنى قوله تعالى:
{ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ }
؛ أي: يبقى الحيّ الذي لا يموت، الذي اتّصف بالعظمة والكبرياء والمجد،
والإكرام والفضل والجود، فهو سبحانه وتعالى أهلٌ أن يُجلّ فلا يُعصى،
وأن يُطاع فلا يُخالف، جلّت قدرته وتعالت أسماؤه وصفاته.

ومعنى (ذُو الْجَلالِ) أي:
ذو العظمة والكبرياء، والمستحق لجميع صفات المدح والتعظيم والثناء.

قال القرطبي: «(ذُو الْجَلالِ) الْجَلَالُ عَظَمَةُ اللَّهِ وَكِبْرِيَاؤُهُ وَاسْتِحْقَاقُهُ
صِفَاتَ الْمَدْحِ، يُقَالُ: جَلَّ الشَّيْءُ أَيْ عَظُمَ وَأَجْلَلْتُهُ أَيْ عَظَّمْتُهُ،
وَالْجَلَالُ اسْمٌ مِنْ جَلَّ.

ومعنى (وَالْإِكْرامِ) أي: اكرامه عن كلّ ما لا يليق به سبحانه وتعالى
من الشرك والنقص وغيرهما.

قال القرطبي: (وَالْإِكْرامِ) أي: هو أهل لأن يُكرم عما لا يَلِيقُ بِهِ مِنَ
الشِّرْكِ، كَمَا تَقُولُ: أَنَا أُكْرِمُكَ عَنْ هَذَا، وَمِنْهُ إِكْرَامُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ»

وقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «﴿ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾؛ أي: ذُو الْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ».

وقال ابن كثير: «وَفِي الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ: يَا حَيُّ، يَا قَيُّومُ، يَا بديع السموات
وَالْأَرْضِ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، بِرَحْمَتِكَ نَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لَنَا
شَأْنَنَا كُلَّهُ، وَلَا تَكِلْنَا إِلَى أَنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَلَا إِلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ».

ولذلك كان الأولى لمن قرأ ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ﴾
ألا يسكت حتى يتم قراءة ﴿ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ ﴾؛
ليكتمل المعنى، وتتضح الصورة والمشهد.

قال ابن كثير: قال الشَّعْبِيُّ: «إِذَا قَرَأْتَ ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ﴾،
فَلَا تَسْكُتْ حَتَّى تَقْرَأَ: ﴿ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ ﴾».

هذا ما تيسر ايراده، نسأل الله جل وعلا أن يرحمنا فوق الأرض، وتحت
الأرض، ويوم العرض عليه سبحانه، وأن يجعل في قلوبنا وأقوالنا
وأعمالنا اكرامه واجلاله وتعظيمه، والحمد لله ربّ العالمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق