الخميس، 9 مايو 2024

كبير السن وحقوقه في الإسلام 3

 

كبير السن وحقوقه في الإسلام 3

♦ الدعاء له :

وإن مِن إجلال الكبير وحقه علينا أن ندعو له بطول العمر، والازدياد في طاعة الله،
والتوفيق بالسداد والصلاح، والحِفظ من كل مكروه، والتمتع بالصحة والعافية،
وبحُسن الخاتمة، وحثَّ اللهُ عز وجل الأبناء على الدعاء لهما في حياتهما
وبعد مماتهما: ﴿ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 24].

لأن خيرَ الناس بموجب الحديث مَن طال عمره، وحسُن عمله، فعن عبدالله بن بسر:
أن أعرابيًّا قال: يا رسول الله، مَن خيرُ الناس؟ قالنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةمَن طال عمرُه، وحسُن عمله) بل جاء في حديث آخر:
أن الله يصطفي من عباده بعضهم بإطالة العمر وإحيائهم في عافية إلى أن يقبِضَ أرواحهم؛
فرُوي عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(إن لله عبادًا يضِنُّ بهم عن القتل، يطيل أعمارهم في حسن العمل، ويحسن أرزاقهم، ويحييهم في عافية،
ويقبض أرواحهم في عافية على الفرش، فيُعطيهم منازلَ الشهداء) لأن مَن طال عمره ازداد علمه
وإنابته ورجوعُه إلى الله عز وجل؛ لأن الشباب شعبة من الجنون، فيزداد الرجل في الشباب
في الشهوات واللذات، والشيخوخة موجب للخير والبركة، فلما يدنو العبد من الشيخوخة يتوجه إلى الله،
فيذكر الله قائمًا وقاعدًا وعلى جنبه، ويحمده، ويسبِّحه، ويهلِّله ويكبره كلما سنحت له الفرصة،
وقيل: أن سليمان بن عبدالملك دخل مرة المسجد، فوجد في المسجد رجلًا كبير السن، فسلم عليه،
وقال: يا فلان، تحبُّ أن تموت؟ قال: لا، ولمَ؟ قال المسن : ذهب الشبابُ وشرُّه، وجاء الكِبَرُ وخيرُه،
فأنا إذا قمت قلت: بسم الله، وإذا قعدت قلت: الحمد لله، فأنا أحب أن يبقى لي هذا.

♦ مراعاة وضعه وضعفه:

الإنسان في بداية عمره وعنفوان شبابه يكون غضًّا، طريًّا، طازجًا، لين الأعطاف،
قوي العضلات، بهي المنظر، ثم يشرع في الكهولة، فتضعف قواه، فيتغير طبعه،
ثم يكبر شيئًا فشيئًا حتى يصير شيخًا كبير السن، ضعيف القوى، قليل الحركة، يعجِزُ عن المشي
والحركة السريعة، فيتقدم إلى الأمام بطيئًا، ويتوكأ على العصيِّ، فصور الله عز وجل
هذه الأحوال في القرآن الكريم: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ﴾
[الروم: 54] يعني أن الإنسانَ يمر بثلاث مراحل رئيسية: ضعف، ثم قوة، ثم ضعف، ولكن هذا الضعف الأخير هو الشيخوخة والكهولة.

وقال في موضع آخر: ﴿ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ ﴾ [الحج: 5]
وأرذَلُ العُمر هو أدونه، وآخره الذي تضعف فيه القوى، وتفسد فيه الحواس، ويختل فيه النطق والفكر،
ويحصل فيه قلة العلم وسوء الحفظ، والخَرَف، وخصه الله بالرذيلة؛ لأنه حالة لا رجاء بعده لإصلاح
ما فسد؛ فالمسلمون المتقون لا يبلغون هذه الحالة.

فعلينا أن نراعي صحة كبير السن، ووضعه البدني والنفسي، بسبب الكبر والتجاوز في العمر؛
فإن هذه المرحلة مِن الحياة مستوجبة للعناية والاهتمام الكبير من الأقارب؛ فإن الضعف يسري
ويجري في الإنسان كجريان الدم، فيضعف بدنه، وصحته، وحواسه، فما يصدر منه من خطأ
فبمقتضى هذه السن المتقدمة، بل إن تصرفاته في هذه السن المتقدمة لكثرة وهنه وضعفه،
بل ضعف قواه أشبه ما يكون بتصرفات الصغير، فعلينا أن نراعي حقوقهم، ولا نتركهم
ولا نطرحهم في دور المسنين من غير رقيب ولا رفيق، بل يتعين علينا رعاية حقهم مقابلة الإحسان
عندما كنا صغيرين ضعفاء، فحملوا أعباءنا، وتحملوا مشاقنا،
واهتموا برعايتنا كل الاهتمام حتى كبِرْنا وصرنا شبانًا أقوياء، فأشار إلى حالنا الله عز وجل في كتابه العزيز:
﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ [لقمان: 14].

♦ كبار السن ومراتب الحقوق :

الحق يعظم ويكبر من جهة ما احتف به؛ فإذا كان قريبًا فله حق القرابة مع حق كبر السن،
وإذا كان جارًا، فإضافة إلى حقه في كبر سنه فله حق الجوار، وإذا كان مسلمًا،
فله مع حق كبر السن حق الإسلام، وإذا كان الكبير أبًا أو جدًّا فالحق أعظم،
بل إذا كان المسن غير مسلم فله حق كبر السن؛ إذ إن الشريعة جاءت بحفظ حق الكبير،
حتى مع غير المسلمين، فلربما تكون رعايتك لحقه سببًا لدخوله في هذا الدِّين في مراحل حياته الأخيرة.

لابد أن ندرك أن الأكابر خيرًا لنا وبركةً لنا في حياتنا، وازديادًا في أرزاقنا وفي أعمارنا
، وأن الإساءة إليهم وسوء معاملتهم قد نجازى به في أواخر أعمارنا، فلا بد لنا أن نحترم الأكابر
ونجلهم ونكرمهم، ونحسن الخطاب معهم، ونخاطبهم بما يظهر به احترام، اللهم وفقنا لكل
عمل صالح وجعلنا مباركين أينما كنا، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق