الثلاثاء، 5 فبراير 2013

من الصحابة .. كل رجل منهم بألف رجل !!






لما طلب عمرو بن العاص المدد من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في
 فتح مصر كتب إليه:
 
[ أما بعد : فإني أمددتك بأربعة آلاف رجل، علي كل ألف :
 رجل منهم مقام الألف:
 الزبير بن العوام، والمقداد بن عمرو، وعبادة بن الصامت،
 ومسلمة بن مخلد ]
 ولولا أن هذه الواقعة ثابتة في كل كتب السيرة لكان من المستحيل تصديقها،
فلا أحد يتصور أن أربعة رجال فقط يقدرون بأربعة آلاف رجل ليس
 في الإيمان والصدق والإخلاص فحسب، وإنما في المعارك.
 
والأغرب من ذلك أن بين هؤلاء الرجال من يفوق صوته الألف رجل،
لكننا الآن لم يعد لدينا رجل بألف أو بمائة أوحتي باثنين بل للأسف أغلب
من يحملون هذا اللقب من غير مستحقيه، وربما لو عاشوا زمن الصحابة
لسمعنا عن الرجل بنصف والرجل بثلث !
لأن المواقف وحدها هي التي تكشف معادن الرجال، وتحكم علي قدراتهم
وتحدد مدي صلابتهم وقوة عقيدتهم.
 
لذلك قمنا في هذا الملف بجمع سيرة الصحابة الذين يقدر الواحد منهم بألف
رجل، فلا تتعجب عندما تجد صحابيا أحبه الله سبحانه وتعالي وأمر رسوله
صلي الله عليه وسلم أن يحبه وربما السر في وصوله إلي هذه المكانة مع كل
 من سبقت أسماؤهم لقب الرجل بألف هو أنهم قالوا:
 
[ بايعنا رسول الله علي ألا نخاف في الله لومة لائم ]
 

القعقاع بن عمرو
 
ليس رجلا بألف بل إن "صوته" فقط خير من ألف رجل..
فلا يهزم جيش بين صفوفه القعقاع بن عمرو التميمي الصحابي الجليل
والفارس الشجاع،
 فقد قال عنه الخليفة أبو بكر الصديق-رضي الله عنه-:
 
 [ لصوت القعقاع في المعركة خير من ألف رجل ]
مؤكدا وشاهدا علي بطولته المتميزة.
 
ربما لأن استعداداته للحرب تشمل جميع الجوانب الروحية والمادية،
 فلم يعتمد فقط علي الإمكانات المادية ولم يكتف في نفس الوقت بقوة الإيمان
دون الأخذ بالأسباب، فهو فارس يستعد لمعركته بقلبه وعقله،
 
حينما أمر أبو بكر الصديق خليفة رسول الله صلي الله عليه وسلم قائد
جيوشه خالد بن الوليد بالتوجه إلي العراق لمواجهة جيوش الفرس،
طلب خالد أن يمده بجنود إضافيين من المسلمين بعد أن استشهد عدد كبير
من أفراد جيشه في حرب الردة.
فأمده أبو بكر بالقعقاع بن عمرو التميمي، فقيل له:
 أتمد رجلا انفض عنه جنوده برجل ؟
 فقال أبو بكر:
[ لا يُهزَم جيش فيهم مثل هذا ]
 
وتواصلت مشاركة القعقاع في مواقع كثيرة أبلي فيها خير البلاء وحقق
المكاسب لجيش المسلمين وفي فتوحات العراق والشام ،
 وفي معركة "ذات السلاسل" بين المسلمين بقيادة خالد بن الوليد سيف الله
المسلول رضي الله عنه والفرس بقيادة هرمز الذي نادي بالنزال فمشي إليه
خالد بن الوليد واحتضنه خالد فهجم جند فارس يريدون قتل خالد وتخليص
هرمز من قبضته ولكن القعقاع لم يمهلهم فأسرع يدافع بسيفه وصال وجال
في رقابهم، والمسلمون خلفه، فانهزم جند فارس وفروا من أمامهم فطاردهم
المسلمون ثم استدعاه خالد ليقود هجوم المسلمين علي الروم في معارك
اليرموك حيث حقق نصرا كبيرا،
وعندما كتب عمر بن الخطاب إلي سعد بن أبي وقاص يسأله:
أي فارس كان أفرس في القادسية؟
 كتب إليه: أنني لم أر مثل القعقاع بن عمرو،
حمل في يوم ثلاثين حملة يقتل في كل حملة بطلا.
 
 
الزبير بن العوام
 
( إن لكل نبي حواريا وحواريي الزبير بن العوام )
 
جملة بمثابة الختم المقدس والشهادة الأعظم لأنها
من رسول الله صلي الله عليه وسلم في حق الصحابي الفارس صاحب أول
سيف أشهر في الإسلام.. كان لايزال صبيا وبلغته شائعة مقتل الرسول
في مكة فسارع يتأكد من الخبر ليثأر من قريش وعندما قابله
الرسول صلي الله عليه وسلم دعا له بالخير ولسيفه بالنصر..
فكان رجلا بألف رجل كما وصفه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بأنه بألف
رجل حين أرسله مع عبادة بن الصامت والمقداد بن أسود ومسلمة بن مخلد
مدادا إلي عمرو بن العاص في فتح مصر قائلا:
 
[ وجهت إليك أربعة نفر وأعلمتك أن الرجل منهم مقام ألف رجل ]
 
اسمه الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد وكنيته أبو عبد الله وهو ابن صفية
بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلي الله عليه وسلم وابن أخي
 خديجة بنت خويلد الزوجة الأولي والحبيبة إلي
رسول الله صلي الله عليه وسلم وزوج أسماء بنت أبي بكررضي الله عنهما.
 
أسلم وهو في الخامسة عشرة من عمره ، تحمل عذابا من عمه ليكفر
بالإسلام حيث كان يلفه في حصير ويدخن عليه بالنار ويقول له :
[ اكفر برب محمد ادرأ عنك هذا العذاب ]
 فما كان منه إلا أن يقول :
[ لا والله لا أعود للكفر أبدا ]
 
كان رضي الله عنه بطلا رئيسيا في جميع المواقع والغزوات، فلم يتخلف
عن حرب مع الرسول صلي الله عليه وسلم فنجده يُحَفِّز جيش المسلمين
في اليرموك بصيحة "الله أكبر" ويخترق وحده بقوة جيش الأعداء
 بينما يقتحم حصنا من حصونهم يوم حنين ومعه علي بن أبي طالب وينفق
 في حياته من أموال تجارته الواسعة ويموت مديونا وتشهد آثار الجراح
الكثيرة في مفترق أنحاء جسده علي شجاعته ورغبته في الموت في
سبيل الله، حتي إنه لشدة حبه في الاستشهاد أطلق علي أولاده السبعة
 أسماء شهداء متمنيا لهم نفس المصير.
 
وكان جديرا بأن يبشره النبي- صلي الله عليه وسلم- بالجنة ويكون محل
ثقة عمر بن الخطاب فيجعله من أصحاب الشوري الستة الذين وكِّل إليهم أمر
اختيار الخليفة من بعده وأن يقبل علي بن أبي طالب سيفه بعد موته
وهو يبكي ويقول:
 
[ سيف طالما والله جلا به صاحبه الكرب عن رسول الله ]
 
 
عبادة بن الصامت
 
[ بايعنا رسول الله علي ألا نخاف في الله لومة لائم ]
هكذا تحدث وهكذا عاش الصحابي الجليل "عبادة بن الصامت" واسمه
غنم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج الأنصاري الخزرجي
وكنيته أبو الوليد ،لا يخاف في الله لومة لائم.
 
سارع بالدخول إلي الإسلام مع عشرة رجال من الأنصار في بيعة العقبة
الأولي وشهد البيعة الثانية وكان نقيبا لأهله وشهد بدراً وأحداً والخندق
والمشاهد كلها مع رسول الله صلي الله عليه وسلم.
 
نزل القرآن يحيي موقفه وولاءه في الآية:
 
{ وَمَن يَتَوَلّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالّذِينَ آمَنُواْ فَإِنّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ }
 وذلك عندما ألغي عهدا قديما له مع يهود بني قينقاع بسبب عدوانهم
علي الرسول- صلي الله عليه وسلم- والمسلمين قائلا:
 
[ إنما أتولي الله ورسوله والمؤمنين ]
 
ليصبح هذا الرجل ليس نقيبا لأهله فقط وإنما نقيبا من نقباء الدين الإسلامي
علي مر العصور.
 
لم يحب السلطة أو تغره المناصب لأنه فهم أنها تكليف ومسئولية وليست
تشريفا ورفاهية، وذلك حين سمع رسول الله صلي الله عليه وسلم يوما
يتحدث عن مسئولية الأمراء والولاة والمصير الذي ينتظر من يفرط منهم
 في حق فأقسم بالله ألا يكون أميرا ولو علي شخصين وبر بقسمه حتي وفاته
علي أرض فلسطين في العام الرابع والثلاثين من الهجرة حيث ولي أمر
القضاء فيها لبعض الوقت في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه
ليكون أول قاض في فلسطين، وكان قد سافر إلي الشام مع معاذ بن جبل
وأبي الدرداء لتعليم الناس أمور الدين وتفقيههم فيه وعندما عاد إلي المدينة
تاركا فلسطين بسبب خلاف مع حاكمها معاوية
سأله عمر بن الخطاب رضي الله عنه : مالذي جاء بك إلي هنا ؟
 فلما قص عليه قال له عمر:
 ارجع إلي مكانك فقبح الله أرضا ليس فيها مثلك
وأرسل إلي معاوية يقول: لا امرة لك علي عبادة  
وذلك الموقف حرصا من عمر علي إحاطة معاوية ذي الطموح الجامح
بصحابي ورع وزاهد وناصح مخلص وهو نفسه الذي قال في حق
عبادة رضي الله عنه بأنه يوازي ألف رجل عندما أرسله مداداً
لعمرو بن العاص لفتح مصر.
 
وكان عبادة بن الصامت أيضا من أوائل الذين جمعوا القرآن في
 عهد الرسول صلي الله عليه وسلم.
 
 
المقداد بن عمرو
 
هل تريد أن تعرف رجلا أحبه الله تعالي
وأمر رسوله صلي الله عليه وسلم أن يحبه؟..
هو " المقداد بن عمرو "
 أو " المقداد بن الأسود "
 
حيث تبناه "الأسود بن يغوث" في الجاهلية حتي نزلت آية تحريم التبني
فنسب لأبيه "عمرو بن سعد".. كان من المبكرين في الإسلام ومن أول سبعة
جاهروا بإسلامهم وأعلنوه حاملا نصيبه من أذي قريش في ثبات وجلد.
 
أطلق كلمات كالرصاص يوم بدر تهلل لها وجه
الرسول صلي الله عليه وسلم واشتعل بها حماس جيش المسلمين فخاضوا
المعركة ببسالة وانتصروا وكان فرسان الجيش يومئذ ثلاثة فقط هم
 "المقداد بن عمرو" و"الزبير بن العوام" و"مرثد بن أبي مرثد"
والباقي إما مشاة أو يركبون إبلا.
 
قال يومها:
[ يا رسول الله ..امض لما أراك الله فنحن معك..والله لا نقول لك كما قالت
 بنو إسرائيل لموسي :
اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون..
بل نقول لك: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون..
ولنقاتلن عن يمينك وعن يسارك وبين يديك ومن خلفك حتي يفتح الله لك ]
 
هذه الكلمات ود جميع الصحابة لو أنها وردت علي ألسنتهم هم،
 فيقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
 
[ لقد شهدت من المقداد مشهداً لأن أكون صاحبه أحب إلي
مما في الأرض جميعا ]
 
كلمات لا تصور شجاعة فحسب بل تصور حكمة راجحة وتفكيراً عميقاً
وكذلك كان المقداد حكيماً في القول والفعل،
 
كان رضي الله عنه فارسا مقداماً بألف رجل كما وصفه عمر بن الخطاب
عندما بعث به مداداً لجيش المسلمين في فتح مصر فلم يكن تسمع في المدينة
فزعة إلا ويكون المقداد في لمح البصر ممتطياً فرسه مجهزاً سيفه واقفاً
علي باب رسول الله صلي الله عليه وسلم  وكان يكرر قولاً سمعه من الرسول
ووضعه مبدأ لحياته :
 
( إن السعيد لمن جنب الفتن )
 
مسلمة بن مخلد
هو رابع من وصفهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بأن الواحد منهم بألف
رجل.. مسلمة بن مخلد بن صامت بن نيار بن لوذان بن عبدود بن زيد
بن ثعلبة ابن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج بن حارثة أبو معن
وكنيته أبو سعيد و أبو نعيم.
 
ولد عندما قدم الرسول صلي الله عليه وسلم ومعه المهاجرون إلي المدينة
المنورة وعندما توفي الرسول صلي الله عليه وسلم كان لم يتجاوز الرابعة
عشرة من عمره إلا أن صغر سنه لم يمنعه من التزود من نور النبوة.
 
شارك في فتح مصر وكان علي رأس الجيش في عهد عمر بن الخطاب وولاه
معاوية بن أبي سفيان ولاية مصر بعد عزل عقبة بن عامر الجهني في
سنة 47 هجرياً، وهو أول من جمعت له مصر والمغرب وذلك في خلافة
معاوية وبداية خلافة يزيد بن معاوية.
وتوفي بمصر سنة 62 هجرياً ولما ولي مسلمة مصر انتظمت غزواته
في البر والبحر، منها غزوة القسطنطينية رغم أنه لم يحضرها،
 إلا أنه مهد لمعاوية غزوها .
 
وهو أول من بني المنار بالمساجد والجوامع .
 
وكانت ولايته علي مصر خمس عشرة سنة وأربعة أشهر .من أشهر أقواله :
 
[ يا أهل مصر ما نقمتم مني والله لقد زدت مددكم وعددكم وقوتكم
علي عدوكم، اعلموا أني خير ممن بعدي والذي نفسي بيده لا يأتينكم زمان
إلا الآخر فالآخر شر فمن استطاع منكم أن يتخذ نفقاً في الأرض فليفعل ]
 
 
عمرو بن معد يكرب
 
قبيل معركة القادسية طلب قائد الجيش سعد بن أبي وقاص مددًا من
 أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ليستعين به علي حرب الفرس،
 فأرسل أمير المؤمنين إلي سعد رجلين فقط، وقال في رسالته لسعد:
[ إني أمددتك بألفي رجل ]
هذان الرجلان هما:
عمرو بن معد يكرب، وطليحة بن خويلد.
 
الأول عمرو بن معد يكرب الزبيدي وكنيته أبو ثور، من أمراء قبيلة زبيد
وهو أيضا شاعر اشتهر بالشجاعة والفروسية حتي لُقِّبَ بفارس العرب.
 
حين سمع بأمر النبي صلي الله عليه وسلم ذهب إلي المدينة وحده بعد
 أن رفض صديقه قيس بن مكشوح الذهاب معه ليقابلا النبي ويعرفا هل
 هو رسول حقيقي أم لا، ونزل علي سعد بن عبادة،
 فأكرمه وراح به إلي النبي فأسلم. وقيل:
 إنه قدم المدينة في وفد من قومه زبيد وأسلموا جميعًا.
 
وكان عمرو بن معد الزبيدي طويل القامة قوي البنية، حتي إن
 عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال فيه :
 
[ الحمدالله الذي خلقنا وخلق عمرو ]
 «تعجباً من عظم خلقه»
 
شارك في معارك الفتح الإسلامي في الشام والعراق وشهد معركة اليرموك
والقادسية حيث أظهر بطولة عظيمة فيهما ففي معركة اليرموك حارب
بشجاعة وثبات حتي انتصر المسلمون، أما في القادسية والذي يعد مداداً
فيها بألف رجل فلم يخيِّب ظن أميرالمؤمنين وبدأ بمهاجمة الأعداء ومن بعده
جيش المسلمين وكان يعلمهم فنون القتال أثناء المعركة ويقول لهم
 "افعلوا هكذا" فيفعلون مثله حتي تحقق لهم النصر.
 
أما في معركة نهاوند وحين استعصي فتحها علي المسلمين أرسل
عمر بن الخطاب إلي النعمان بن مقرن قائد الجيش قائلاً:
استشر واستعن في حربك بطليحة وعمرو بن معد يكرب وبالفعل قاتل
 عمرو بقوة واستشهد ودفن بإحدي قري نهاوند.
 
 
المراجع:
 أسد الغابة في معرفة الصحابة - ابن الأثير.
 الإصابة في تمييز الصحابة - ابن حجر العسقلاني.
 رجال حول الرسول - خالد محمد خالد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق