لن يستطيعوا أخذ فلسطين إلا عند تشريح جثتي وساعتها يأخذونها بلا ثمن،أما وأنا على قيد الحياة فلا.في سنة 1258هـ-1842م ولد السلطان عبد الحميد ونشأ وترعرع في دارالخلافة العثمانية التي كانت محط أنظار المسلمين، كانت لهم نعم العونوالسند، يجتمعون تحت رايتها، ويحتمون بها من شرور أعداء الإسلام.ومرت الأيام، وآن لـ(عبد الحميد الثاني) أن يتحمل المسئولية في وقت كانتتحيط فيه الأخطار بالدولة من كل جانب، بعد أن أصدر شيخ الإسلام في دارالخلافة العثمانية فتواه التاريخية بعزل السلطان (مراد الخامس) وتعيينشقيقه الأصغرعبد الحميد الثاني خليفة على المسلمين.وقبل أن يباشر السلطان مهامه الجديدة صلى لله تعالى ركعتين شكرًا فيجامع (أبي أيوب الأنصاري) وهناك تسلم من شيخ الإسلامسيف عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- وهو سيف الخلافة، وبدأ موكبالسلطان الجديد يسير في شوارع العاصمة (استنبول).. تنثر الزهور،وتنشر الرياحين من شرفات المنازل ابتهاجًا بالسلطان الجديد، حتى إذا مرَّالموكب بقبر والد السلطان ومقابر أجداده الفاتحين،نزل السلطان عبد الحميد ليدعو لهم بالرحمة والمغفرة وفاء وعرفانًا.وبدأ السلطان عبد الحميد الثاني بداية طيبة تدل على اعتزازه بدينه الإسلاميوفخره بتعاليمه، فكان أول ما أصدره من قرارات أن أقرَّ الدستور الذي يكفلالمساواة بين جميع الناس من خلال المجالس الشرعية، كما أصدر أوامرهبحرية القضاء لتكون كلها نافذة من خلال النظام الإسلامي للدولة،فظل الإسلام في عهده منبع القوانين ودستورها،كما عرف السلطان للعلماء حقهم، فكان لا يقطع أمرًا دونهم،ويحرص على استشارتهم والأخذ بآرائهم.
وقد حاول اليهود عن طريق زعيمهم الماكر (هرتزل) استمالةالسلطان عبد الحميد الثاني، حتى يسمح لهم بإقامة وطن لليهود في فلسطين(بيت المقدس)، فعرضوا عليه مبلغًا ضخمًا في ذلك الزمان البعيد يقدر بثلاثةملايين من الجنيهات بالإضافة إلى دفع مبلغ كبير للدولة العثمانية -سنويًّا-مقابل أن يصدر السلطان عبد الحميد قرارًا يسمح فيه لليهود بالهجرة إلىفلسطين والتوطن فيها، وهنا قال السلطان عبد الحميد قولته الخالدة التيسجلها التاريخ بمداد من ذهب:[ لست مستعدًّا لأن أتخلى عن شبر واحد من هذه البلاد، فهي ليست ملكي بلهي ملك لشعبي، روي ترابها بدمه، وليحتفظ اليهود بأموالهم، ولنيستطيعوا أخذ فلسطين إلا عند تشريح جثتي، وساعتها يأخذونها بلا ثمن،أما وأنا على قيد الحياة.. فلا ]واستمرت مكائد اليهود، فحاول هرتزل، أن يقدم عرضًا مغريًّا جديدًا للسلطان،فلقد كانت الدولة العثمانية مدينة لأوروبا بمبلغ كبير من المال،وعرض اليهود تسديد هذه الديون مقابل تحقيق طلبهم، ولكن السلطان كانأثبت جأشًا وأقوى عزيمة عندما قال:[ إن الديون ليست عارًا، ولكن العار أن أبيع أرضًا لليهود، فليحتفظ اليهودبأموالهم، فالدولة العثمانية لا يمكن أن تحتمي وراء حصون بنيت بأموالأعداء المسلمين ]واستمرت الدسائس والحيل الخبيثة، ففي عام 1902م طلب هرتزل من السلطانأن يسمح له بإنشاء جامعة عبرية في فلسطين يديرها أساتذة منبني صهيون، فرفض السلطان هذا العرض أيضًا، لأنه يعلم أن هذه الجامعةسوف تكون بداية لاحتلال الأرض، فأنكر جميع رسائلهم ورفض قبولهداياهم.وعند ذلك عمل اليهود على تأليب أوروبا وروسيا ضد السلطان عبد الحميد،فقامت الثورات على الحدود، وأعلنت روسيا الحرب على الدولة العثمانية،وتنكرت أوروبا للمعاهدات المعقودة معها، فوقفت إلى جوار روسيا فيحربها ضد السلطان عبد الحميد.وفي نفس العام ثار المسيحيون في (تكريت) بتحريض من البابا، وكانالسلطان يحارب ومن ورائه قلوب المسلمين تدعو له، ورغم هزيمته فإنالقادة والجنود العثمانيين أظهروا شجاعة فائقة شهد بها الأعداء الأوربيون،ولكن لم تشغل هذه الأحداث السلطان عبد الحميد عن الإصلاحات الداخلية فيشتى أنحاء الدول العثمانية؛ فنشر التعليم المدني بجميع مراحله وأنواعه،وأنشأ جامعة (استنبول)سنة 1885م والتي كانت تعرف أولا باسم(دار الفنون) كما أنشأ دورًا للمعلمين ومعاهد فنية ومدارس ابتدائية وثانويةمدنية، واهتم بالتعليم العسكري، وأنشأ المكتبات ومدرسة خاصة لتخريجالدعاة.كما توسع في إنشاء الخطوط الحديدية ليسهل الحج وذلك بتقصير مدة الرحلةوليجعله في متناول الجميع، واستخدم البرق كوسيلة جديدة للمراسلة، وتبنىمشروع الجامعة الإسلامية، وسار فيه سيرًا مباركًا، وعمل على إعادة الهيبةإلى الخلافة كما كانت في عهودها الأولى، وكان دائمًا يدعو المسلمين إلىالاتحاد، كما كان حريصًا كل الحرص على نشر هذا الأمر بين المسلمينجميعًا في كل البلاد الإسلامية.لكن اليهود ظلوا يعملون ضده في الخفاء، فسلطوا عليه إعلامهم، واتهموهفي حياته الخاصة، وشهروا به وبأسرته، وساهموا في إنشاء جمعيةالاتحاد والترقي العثمانية التي قامت بثورة عسكرية استمرت عامًا كاملاًمن سنة 1908 حتى سنة 1909 ونجحت بعدها في سلب الخلافة منالسلطان عبد الحميد، وقررت نفيه إلى (سالونيك) في إبريل سنة 1909م.وظل عبد الحميد الثاني في منفاه حتى لقي ربه سنة 1918م بعد أن أدارشئون الدولة العثمانية لمدة أربعة وثلاثين عامًا،فكان من أطول سلاطين الدولة العثمانية حكمًا،كما كان من أكثر السلاطين الذين تمَّ الافتراء عليهم زورًا وبهتانًا.موسوعة الاسرة المسلمةاخوكم في الله : مصطفى آل حمد
الاثنين، 4 فبراير 2013
السلطان عبد الحميد الثاني
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق